شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
إن ظاهر هذه الآيات يستدعي التأمل والبحث لما هو معلوم لدى الجميع أن القرآن لم ينزََّل جملة واحدة إنما نزل مفرقا وقد تسائل عن ذلك الدارسون
منذ العصر الأول من عصور الدعوة الإسلامية
كما روى ابن عباس رضي الله عنه سأله عطية بن الأسود فقال وقع في قلبي من قوله تعالى
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
وقوله تعالى
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وقد انزل في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة
وفي محرم وشهر ربيع
فقال ابن عباس انه انزل في رمضان في ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا
ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على النبي صلى الله عليه وسلم
وبذلك يكون للقرآن ثلاث تنزلات
التنزل الأول نزوله إلى اللوح المحفوظ كما نصت الآية
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ
أي هو في الملإ الأعلى محفوظ من الزيادة
والنقص والتحريف والتبديل
ما من شيء قضى الله ماكان وما سيكون
إلا وهو في اللوح المحفوظ
التنزل الثاني النزول إلى بيت العزة في السماء الدنيا
جملة واحدة كما بينا
التنزل الثالث على قلب النبي صلى الله عليه وسلم منجماً في ثلاث وعشرين سنة على مواقع النجوم في الشهور والأيام
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
***
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر
ِ صار من المعلوم لدينا أن القرآن هو الذي انزل في هذه الليلة المباركة التي هي في شهر رمضان
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
( قد أظلكم شهر عظيم فيه ليلة خير من ألف شهر)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
ما مكانتها وعظيم شأنها لو لا أن أخبرك الله سبحانه وتعالى
وهنا لفتة لابد التنبه إليها هي أن كل شيء في القرآن ما أدراك فقد اخبره به كقوله تعالى
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
وكل شيء في القرآن وما يدريك فلم يخبره به كقوله تعالى
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
العمل فيها صيامها وقيامها خير من ألف شهر
ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة قدر
روى احمد والنسائي عن أبي هريرة
قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ
وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه
ُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
من يحيها بالصلاة وغيرها من القربات تصديقا بأنها حق يريد وجه الله لا رياء ولا سمعة يحتسب الأجر عنده
لا يرجو ثناء الناس غفر له ما تقدم من ذنبه
وعلى ما تقدم فإن قيام هذه الليلة يعادل عبادة العمر حيث أن الألف شهر تساوي ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر
وقد عنى بألف شهر جميع الدهر
لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء
عن عليّ وعروة: ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم
أربعة من بني إسرائيل، فقال
(عبدوا اللّه ثمانين سنة، لم يعصوا طرفة عين)
فذكر أيوب و زكريا، و حزقيل بن العجوز و يوشع بن نون
فعجب أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم من ذلك.
فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا اللّه طرفة عين، فقد أنزل اللّه عليك خيرا من ذلك؛
ثم قرأ: "إنا أنزلناه في ليلة القدر".
فسر بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة
والروح هو سيدنا جبريل يتنزلون عند تلاوة القران
يحيطون بحلق الذكر
حتى تغص الأرض بكثرتهم
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
خير هي ليس فيها شر حتى مطلع الفجر تسلم فيها الملائكة على أهل المساجد ولا يستطيع الشيطان
أن يعمل فيها سوء أو أذى
ملائكتها أكثر من عدد الحصى
هي ليلة صافية بلجة كأن فيها قمر ساطع ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر في ليلة البدر
لا يحل لشيطان أن يخرج معها
( هذا إسناده حسن وفي متنه غرابة)
قبل رمضان تردد على مسامعنا الحديث عن رمضان حتى
لا يكاد يخلو مجلس إلا و أول الحديث فيه هو رمضان
فتجهز الجميع وشحنت الهمم
فالمصلي أعلن انه سيقوم الليل ويكثر من قراءة القران والذي
لا يصلي تاب ونوى الصيام والقيام بإذن الله
ومضى اليوم الأول والثاني وأيام أخر وفترة الهمم من جديد
من حيث لا نشعر عاد كل واحد منا
إلى ما كان عليه قبل رمضان
ولاشك أنها ليست جحودا ولا إنكارا
بل لضعف نفوسنا الأمارة بالسوء
نلهوا ونغفل طيلة العام وعندما تمر بنا نفحة من نفحات الله
لا نتعرض لها ولانستطيع أن نخلص لله
أيام معدودة كشهر رمضان
مع أننا على دراية ما لهذا الشهر العظيم من فضل
ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم
( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
[ ولا ادري ] لعلنا لسنا بحاجة إلى مثل تلك المغفرة ما رأيكم هل نحن بحاجة لها أم لا
ونحن نحمل على أكتافنا الكثير من الذنوب
هاهي الفرصة من جديد
من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
هل نضعف مرة أخرى ونضيع هذه المنة
ولا ندري هل ندرك رمضان في العام المقبل
أم نكون من عداد من يذكرهم الصائمون
كان معنا رجال يصومون فلان وفلان
استجابوا لنداء الله وانتقلوا إلى رحمته
فلم يحضوا بفرصة ليلة القدر كما سنحظى بها إن شاء الله سويعات أيها السادة هي ليلة القدر
لاتصل بمن قامها إلى تعب أو نصب سويعات قليلة نملك بها سعادة الدارين بإذن الله إذا اجتهدنا إيمانا واحتسابا لوجه الله
لا ارجوا أن نضيعها فما رأيكم
اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا ممن يقوم فيها إيمانا واحتسابا واجعلنا فيها من المقبولين يا ارحم الراحمين